للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطلب منه منفعة لك، وتدعو وتسأل من ضره أقرب من نفعه، وليس له من الأمر شيء كمن: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)} ... [الحج: ١٢، ١٣].

لكن أَحْسِن إلى الناس لله لا لرجائهم، وكما لا تخافهم فلا ترجوهم، وارجُ الله ولا ترجُ الناس.

والخلق كلهم لو اجتهدوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بأمر قد كتبه الله لك، ولو اجتهدوا على أن يضروك لم يضروك إلا بأمر قد كتبه الله عليك، ولن ينفعوك أو يضروك إلا بإذن الله، فلا تعلق بهم رجاءك.

ولو أصابتك مضرة كالخوف والجوع والمرض لم يقدر جميع الخلق على دفعها إلا بإذن الله، وهم لا يدفعونها إلا لغرض لهم في ذلك.

والإنسان كلما كان أذل لله، وأعظم افتقاراً إليه، وخضوعاً له، كان أقرب إليه، وأعزَّ له، وأعظم لقدره، وأسعد الخلق أعظمهم عبودية لله عزَّ وجلَّ.

والرب سبحانه أكرم ما تكون عليه أحوج ما تكون إليه، وأفقر ما تكون إليه، والخلق أهون ما يكون عليهم أحوج ما يكون إليهم، وأعظم ما يكون العبد قدراً عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه.

فإن أحسن إليهم مع الاستغناء عنهم كان أعظم ما يكون عندهم، ومتى احتاج إليهم ولو في شربة ماء نقص قدره عندهم بقدر حاجته إليهم.

وهذا من حكمة الله ورحمته ليكون الدين كله لله، ولا يشرك به شيئاً.

والعابد حقاً من جمع بين أمرين:

الأمر الشرعي .. والأمر الكوني.

وعلى هذين الأمرين مدار الدين.

فإن العبد إذا شهد عبوديته لربه، ولم يكن مستيقظاً لأمر سيده، لا يغيب بعبادته عن معبوده، ولا بمعبوده عن عبادته.

<<  <  ج: ص:  >  >>