ثم عاد إلى حاله من القيام، حامداً ربه، مثنياً عليه، بأكمل محامده وأحسنها.
ثم يعود إلى تكبيره، ويخر له ساجداً على أشرف ما فيه وهو الوجه، فيعفره في التراب ذلاً بين يدي ربه ومسكنة، وقد أخذ كل عضو من البدن حظه من هذا الخضوع، ويكون رأسه أسفل ما فيه تكميلاً للخضوع والتذلل لمن له العز كله، والعظمة كلها.
وهذا أيسر اليسير من حقه على عبده، فلو دام العبد على ذلك من حين خلقه الله إلى أن يموت لما أدى بعض حق ربه عليه فضلاً عن كل حقه.
ثم أمر أن يسبح ربه الأعلى في سجوده، فيذكر علوه سبحانه في حال سفوله هو، وينزهه عن مثل هذه الحال، فمن هو فوق كل شيء، وعال على كل شيء ينزه عن السفول، وكلما سجد العبد لربه سجدة رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها سيئة.
ولما كان هذا غاية ذل العبد وخضوعه كان أقرب ما يكون الرب منه في هذه الحال، فأمر أن يجتهد في الدعاء لقربه من القريب المجيب.
وكان الركوع كالمقدمة بين يدي السجود والتوطئة له، فينتقل من خضوع إلى خضوع أكمل وأتم منه، وفصل بينهما بركن مقصود في نفسه، يجتهد فيه بالحمد والثناء والتمجيد، وجعل بين خضوعه خضوع قبله، وخضوع بعده وجعل خضوع السجود بعد الحمد والثناء والتمجيد، كما جعل خضوع الركوع بعد ذلك، والقيام أفضل بذكره، والسجود أفضل بهيئته.
فما أعظم هذا الترتيب العجيب، وهذا التنقل في مراتب العبودية؟.
ولما كان أشرف أذكار الصلاة القرآن شرع في أشرف أحوال الإنسان، وهي هيئة القيام في الصلاة في أحسن هيئة.
ولما كان أفضل أركان الصلاة الفعلية السجود شرع فيها بوصف التكرار، وشرع له بين هذين الخضوعين أن يجلس جلسة العبيد، ويسأل ربه ومولاه أن يغفر له