فإن الله إذا من على عبد وفقه وهداه للوقوف في الصلاة بين يدي ربه العظيم جل جلاله، الكبير المتعال الذي عنت له الوجوه، وخضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، القاهر فوق عباده.
ثم أخذ في تسبيحه وحمده وذكره، ثم أخذ في الثناء عليه وحمده وشكره على إحسانه لعباده ورحمته لهم، وتمجيده بالملك الأعظم يوم الدين، وإفراده بالتوحيد.
ثم سؤاله أفضل سؤال على الإطلاق وهو: اهدنا الصراط المستقيم، الذي جعله الله موصلاً لمن سلكه إليه وإلى جنته.
ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة كتابه، ربيع القلوب، وشفاء الصدور، وهو كلام رب العالمين.
فهو يجتني من تلك الآيات والسور ثماراً ومنافع .. خيراً يؤمر به .. وشراً ينهى عنه .. وحكمة وموعظة .. وتبصرة وتذكرة .. وتقريراً لحق .. ودحضاً لباطل .. وإزالة لشبهة .. وجواباً عن مسألة .. وإيضاحاً لمشكل .. وترغيباً في أسباب الفلاح والسعادة .. وتحذيراً من أسباب الخسران والشقاوة .. ودعوة إلى هدى .. وتحذيراً من اتباع الهوى.
فتنزل تلك على القلوب نزول الغيث على الأرض التي لا حياة لها بدونه، ويحل فيها محل الأرواح من أبدانها، فيا له من نعيم وقرة عين تحصل بهذه المناجاة في الصلاة.
والرب عزَّ وجلَّ يسمع لكلامه جارياً على لسان عبده، ويقول: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي.
ثم يعود إلى تكبير ربه عزَّ وجلَّ، فيجدد لربه عهد التذكرة بكونه أكبر من كل شيء، ثم يرجع حانياً ظهره لربه خضوعاً لعظمته، وذلاً لعزته، مسبحاً له بذكر اسمه العظيم، منزهاً لعظمته عن حال ذل العبد، وقابل تلك العظمة بهذا الذل والانحناء، وربه فوقه يرى خضوعه وذله وخضوعه، ويسمع كلامه، فهو ركن