للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشهوة الجماع التي تزداد مع الأكل والشرب وإطلاق النظر .. والإنسان إذا صام وذاق مرارة الجوع حصل عنده عطف ورحمة على الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يكفيهم من القوت فتصدق عليهم وأحسن إليهم.

والبدن مع العمل يكل، فيجب أن تستريح الأعضاء وقتاً من الأوقات لتستعيد نشاطها وقوتها مرة أخرى، فمن رحمة العزيز العليم أن جعل للمعدة وقتاً تستريح فيه كما يستريح غيرها.

والصوم قمع للنفس عن شهواتها، ومن استطاع قمع نفسه ومنعها من الأكل استطاع منعها من الحرام والإجرام والإفساد، والانهماك في الطعام والشراب والملاذ يطغي النفوس، ويجعلها لا ترحم الضعفاء، ولا تعطف على البؤساء؛ لأنها لا تحس بما هم فيه من ألم المسغبة والفاقة.

فيجب أن يشعر العبد أثناء الصوم أنه هبط إلى الفقير في حالته الغذائية، فيعرفها ليشفق عليه.

وكثير من الناس يشكون من سوء التغذية، وسببها عند الأغنياء يرجع إلى زيادتها، وعند الفقراء إلى نقصها المعيب.

والله عزَّ وجلَّ يريد من عباده المؤمنين أن يكون شهر رمضان شهر زهد وتعبد، وبر بالفقراء والبائسين، وصون للمعدة واللسان والقلب، وتطهير للجسد من الأخلاط، وتطهير للروح من سوء الأخلاق.

فما أعظم منافع شهر الصيام وما أكثر بركاته، وإن الناس لفي حاجة إلى العلم بحكمة العبادات قبل التعبد بها أكثر من حاجتهم إلى معرفة أحكامها.

والله يقول: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)} [البقرة: ١٨٤].

وإذا كان الربيع يكسو الأشجار أوراقها وأزهارها، ويبسم الوادي بعد أن كان خشناً يابساً، فكذلك رمضان في الشهور نال من إكرام الله ما لم ينله شهر سواه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>