وقد أعطى الله الإنسان في رمضان وقتاً يعوض فيه كل ما فقده في صيامه من حاجة الجسد، وذلك بإباحة الطعام والشراب والنكاح ليلاً، ومنعه منه نهاراً، وبذلك يتمحض الصيام نفعاً خالصاً للإنسان بدنياً ونفسياً.
وليس هذا هو المقصود من الصيام فقط، بل المقصود الأعلى والأسمى طاعة الله وتقواه، فالتقوى هي الخلق الذي علق الله عليه فلاح المسلم في دنياه وآخرته، كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧)} [الطور: ١٧].
والتقوى خلق عظيم، وحتى يستجمعها المسلم في قلبه فتكون له خلقاً، لا بدَّ أن يسلك لها طريقها.
وأهم الطرق المؤدية إلى التقوى:
الصيام .. والقيام .. والأذكار .. والدعاء .. وقراءة القرآن .. والإنفاق في سبيل الله .. والاعتكاف .. والصبر .. والاستغفار .. والتوبة.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة: ١٨٣].
وشهر رمضان هو الشهر الذي يسير به المسلم في كل طرق التقوى بشكل عفوي، ففيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وفيه تكثر الصدقات، وتزداد الأعمال الصالحة، وتكثر تلاوة القرآن، فما ينتهي شهر رمضان إلا وقلب المسلم قد امتلأ نوراً وإيماناً وتقوى، وتحلى بأحسن الأخلاق، وتلذذ بطاعة الله وعبادته.
والصوم شكر لله تعالى من حيث كونه عبادة، والعبادات مطلقاً شكر من العبد لمولاه على النعم التي لا تحصى .. والله عزَّ وجلَّ يعلمنا بالصوم كيف نحافظ على أداء الأمانة ولا نضيعها أبداً، ولا نفرط فيها، وذلك بالأمر بالإمساك عن الطعام والشراب أثناء الصيام. وفي الصيام تصفو نفس العبد وتخلص روحه من صفة البهيمية، وترتقي إلى صفة الملكية التي مزاجها الطاعة ولزوم العبودية .. وفي الصوم صحة البدن وخلوصه من الأخلاط الرديئة .. وفي الصوم إضعاف