للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشيطان له تلطف في الدعوة، فيدعو الناس إلى الدعاء عند قبور الصالحين، فيدعو العبد ربه عند القبر بحرقة وانكسار وذلة، فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه، لا لأجل القبر.

فإنه لو دعا الله في الخمارة والحمام والسوق أجابه، فيظن الجاهل أن للقبر تأثيراً في إجابة تلك الدعوة، والله سبحانه يجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً.

فالشيطان بلطف كيده يحسن الدعاء عند القبر، وأنه أرجح منه في بيته ومسجده وأوقات الأسحار، ثم ينقل الإنسان من الدعاء عنده إلى الدعاء به، والإقسام على الله به، وأن هذا أبلغ في تعظيمه واحترامه، وأنجح في قضاء حاجته.

ثم ينقله إلى أعلى من ذلك، وهو دعاء الميت نفسه من دون الله، ثم ينقله إلى درجة أعلى فيتخذه وثناً يعكف عليه، ويتخذ عليه السرج، ويوقد عليه القناديل، ويبنى عليه المسجد، ويعلق عليه الستور، ويعبده بالسجود له، والطواف به، وتقبيله أو استلامه، والحج إليه، والذبح عنده.

ثم ينقله إلى درجة أخرى أشد، وهي دعاء الناس إلى عبادة هذا الوثن من دون الله، واتخاذه عيداً ومنسكاً، وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم، ثم ينقله إلى درجة أخرى، وهي محاربة ومعاداة من أنكر ذلك الشرك والكفر، وإثارة الناس والطغام عليه.

ولشدة خطر الشيطان، وعظمة كيده ومكره، فقد حذر الله المؤمنين منه بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١)} [النور: ٢١].

وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن، فليحذر العبد هذا العدو المبين الماكر.

وإذا دعا المسلم ربه استجاب له كما قال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)}

<<  <  ج: ص:  >  >>