للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو شاء الله لجعل الناس كلهم أمة واحدة على الحق والهدى، فإن مشيئته مطلقة، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن حكمته سبحانه اقتضت أن خلقه لا يزالون مختلفين، متبعين للسبل الموصلة إلى النار، كل يرى الحق فيما يقوله ويفعله، والضلال في قول غيره إلا من رحم الله، فهداهم الله إلى العلم بالحق والعمل به، والإنفاق عليه، والدعوة إليه، فهؤلاء الناجون، وأولئك الهالكون.

ولذلك خلقهم الله ليكون منهم السعداء والأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد عدل الله وحكمته .. وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر .. وليقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)} [هود: ١١٨،١١٩].

فالناس في معرفة الحق، وفي قبوله ورده متفاوتون، وفي الطاعات والمعاصي التي يفعلونها بإرادتهم مختلفون، وفي شهود المعاصي التي تجري عليهم أحكامها بإرادتهم وشهواتهم متفاوتون أعظم تفاوت، وجماع ذلك في المشاهد الآتية:

الأول: مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة.

فهذا مشهد الجهال الذين لا فرق بينهم وبين الحيوان إلا في اعتدال القامة ونطق اللسان، فهؤلاء نفوسهم حيوانية، لم تترق عنها إلى درجة الإنسانية، فضلاً عن درجة الملائكة.

فهؤلاء حالهم أخس من أن تذكر، وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب الحيوانات التي هم على أخلاقها وطباعها.

فمنهم من نفسه كلبية، لو صادف جيفة تُشبع ألف كلب لوقع عليها، ونبح كل

<<  <  ج: ص:  >  >>