للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهود العبد هذا مما يقوي إيمانه بما جاءت به الرسل من التوحيد والإيمان، والأوامر والنواهي، والثواب والعقاب.

العاشر: مشهد الرحمة:

فإذا وقع العبد في المعصية خرجت من قلبه تلك الغلظة والقسوة والغضب الذي كان عنده لمن صدر منه ذنب، حتى لو قدر عليه لأهلكه، وربما دعا عليه غضباً لله، وحرصاً منه على أن لا يعصي ربه، فلا يجد في قلبه رحمة للمذنبين.

فإذا جرت عليه المقادير وأذنب استغاث بالله، والتجأ إليه، ودعاؤه عليهم بالدعاء لهم بالمغفرة.

الحادي عشر: مشهد العجز والضعف.

فالإنسان أعجز شيء عن حفظ نفسه، ولا حول له ولا قوة إلا بربه، تجري عليه أحكام القدر وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

ليس له من نفسه إلا الجهل والظلم، فالهلاك أدنى إليه من شراك نعله، كشاة ملقاة بين الذئاب والسباع لا يردهم عنها إلا الراعي، فلو تخلى عنها طرفة عين لتقاسموها أعضاء.

وهكذا حال العبد ملقى بين الله وبين أعدائه من شياطين الإنس والجن، فإن حماه منهم وكفهم عنه لم يجدوا إليه سبيلاً، وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه طرفة عين اغتاله وظفر به أحدهم.

وفي هذا المشهد يعرف العبد نفسه حقاً، ويعرف فضل ربه حقاً، فمن عرف نفسه بالضعف عرف ربه بالقوة، ومن عرفها بالعجز عرف ربه بالقدرة، ومن عرف صفاته الممدوحة فيه كالقوة والكلام، والحياة والصدق، عرف أن الذي أعطاه ذلك أولى به منه، فمعطي الكمال أولى بالكمال، فمن لم يعرف نفسه لم يعرف ربه.

وإذا عرف العبد ذلك عرف أنه ليس بيده شيء، ولا بيد غيره شيء، وأن الأمر كله لله العلي الكبير كما قال سبحانه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>