الثاني عشر: مشهد الذل والانكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله.
فيشهد العبد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة، وافتقاراً تاماً إلى ربه ووليه، ومن بيده صلاحه وفلاحه، وهداه وسعادته.
فإذا انكسر قلب العبد وخضع لربه رأى أنه لا يستحق قليلاً ولا كثيراً، وأن كل خير ناله من الله استكثره على نفسه، وعلم أن قدره دونه، وأن رحمة ربه هي التي اقتضت ذكره به، وسياقته إليه.
واستقل طاعاته لربه، ورآها ولو ساوت طاعات الثقلين من أقل ما ينبغي لربه عليه، واستكثر قليل معاصيه وذنوبه، ورآها سوء أدب مع ربه الذي أكرمه بوافر نعمه.
فالانكسار والافتقار الذي حصل لقلبه أوجب هذا كله، فما أقرب الخير والجبر من هذا القلب المكسور، وذرة من هذا ونَفَسٍ منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بعلومهم وأعمالهم وأحوالهم.
وأحب القلوب إلى الله قلب تمكنت منه هذه الكسرة، وملكته هذه الذلة، ينظر إلى ربه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم، ونظر الفقير العاجز إلى الغني القادر.
فلا يرى في جميع أحواله إلا متعلقاً بربه خاضعاً له، يسأله عطفه ورحمته، باكياً بين يديه، يقول: يا رب .. يا رب .. ارحم من لا راحم له سواك، ولا ناصر له سواك، ولا مغيث له سواك، ولا مؤوي له سواك.
الثالث عشر: مشهد العبودية والمحبة والشوق إلى لقائه، والابتهاج بذكره، والفرح والسرور به.
فتقر عينه بربه، ويسكن إليه قلبه، وتطمئن إليه جوارحه، ويستولي ذكره على لسانه، فتصير حركات اللسان والقلب والجوارح بالطاعات مكان حركاتها بالمعاصي، قد امتلأ قلبه من محبته، ولهج لسانه بذكره، وانقادت جوارحه لطاعته.