وكذلك الكفار يعاقبون بسوء أعمالهم في الدنيا، ثم يصيرون في الآخرة إلى أشد العذاب كما قال سبحانه: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤)} [الرعد: ٣٤].
فما أجدر العاقل بطاعة ربه، واجتناب معصيته، ولو لم يعذب الله على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى؛ لعظمته وجلاله، وجزيل نعمه وإحسانه.
والله عزَّ وجلَّ لما خلق آدم - صلى الله عليه وسلم -، علم المطيع من ذريته والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى بسعادة من علمه مطيعاً، وشقاوة من علمه عاصياً، وطار لكل واحد ما هو صائر إليه كما قال سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣)} [الإسراء: ١٣].
والطاعات سبب لنزول النعم، وحصول البركات، والمعاصي والذنوب تزيل النعم وتحل النقم، وتسبب الوحشة والرعب والخوف في قلب العصاة، وكلما كثرت الذنوب زادت الوحشة بينه وبين ربه، وبينه وبين خلقه، فالغفلة توجب الوحشة، وأشد منها وحشة المعصية، وأشد منها وحشة الشرك.
والطاعات غذاء للقلوب، والمعاصي تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه.
والذنوب تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد أبواب العلم، وتحجب موارد الهداية، وتذل النفس وتصغرها حتى تصير أصغر شيء وأحقره.
والطاعات تجعل مع العبد معية الله ونصره وحفظه، والذنوب تجعل العاصي في أسر شيطانه، وسجن شهواته، وقيد هواه: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨)} [النساء: ٣٨].
وإذا قيد القلب طرقته الآفات بحسب قيوده، فلا يستطيع السير إلى الله والدار