للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلت إلى الله، فتحت كذلك لأرواحهم حتى وصلت إلى ربها وقامت بين يديه، فرحمها وأمر بكتابة اسمها في عليين.

ومن أسباب الصبر عن المعصية علم العبد أنه متى عصى الله فقد خرج من حصنه الذي لا ضيعة على من دخله، فإذا خرج بمعصيته منه صار نهباً للصوص وقطاع الطريق.

ومنها علم العبد بقصر الأمل، وعلمه بسرعة انتقاله، وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها، أو كراكب قال تحت ظل شجرة ثم سار وتركها.

ومنها تجنب الفضول في طعامه وشرابه، ولباسه ومنامه، واجتماعه بالناس، فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات.

فإنها تطلب مصرفاً، فيضيق عليها المباح، فتتعداه إلى الحرام.

ومنها ثبات شجرة الإيمان في القلب، وهو أعظمها، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه، فإن من باشر قلبه الإيمان بالله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب، والجنة والنار، حجزه ذلك عن المعاصي، ومنعه من أن لا يعمل بموجب هذا العلم.

ومن ظن أنه يقوى على ترك المعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، فإن سراج الإيمان إذا قوي في القلب، وأضاءت جهاته كلها به، سرى ذلك النور إلى الأعضاء، وانبعث إليها، فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان، وانقادت له طائعة مذللة، غير متثاقلة ولا كارهة.

بل تفرح بدعوته حين يدعوها كما يفرح الرجل بدعوة حبيبه المحسن إليه إلى محل كرامته: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)} [البقرة: ١٠٥].

وبالجملة فآثار المعاصي أكثر من أن يحيط بها العبد علماً، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط العبد بها علماً.

فخير الدنيا والآخرة كله بحذافيره في طاعة الله ورسوله، وشر الدنيا والآخرة

<<  <  ج: ص:  >  >>