لا يعلم أن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم.
لذا يركن إلى شهوات الدنيا ولذاتها مع أنها مشوبة بالأمراض والآفات والأكدار.
والمسلمون إذا ضيعوا أوامر الله تعالى، وهجروا الأعمال الصالحة، ولابسوا الشهوات والمعاصي، فهم مشاركون للكفار في هذا الغرور؛ لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، لكن أمرهم أخف؛ لأن أصل الإيمان يعصمهم من عقاب الأبد، فيخرجون من النار بعد تطهيرهم من المعاصي.
ولكنهم من المغرورين، فإنهم اعترفوا أن الآخرة خير من الدنيا، ولكنهم مالوا إلى الدنيا وآثروها، ومجرد الإيمان بلا عمل لا يكفي للفوز بالجنة، فوعد الله للمؤمنين بالمغفرة ودخول الجنة كله منوط بالإيمان والعمل الصالح جميعاً، فهو مركب منهما لا بالإيمان وحده كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (١٠٧)} [الكهف: ١٠٧].
وغرور الكفار والعصاة بالله ألوان وأشكال.
ومنه قول بعضهم في أنفسهم وألسنتهم إنه لو كان لله من معاد فنحن أحق به من غيرنا، ونحن أوفر حظاً فيه، وأسعد حالاً كما قال سبحانه عن الكافر الذي يحاور صاحبه المؤمن قائلاً: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (٣٦)} [الكهف: ٣٤ - ٣٦].
وسبب هذا الغرور، أن الكفار والعصاة ينظرون مرة إلى نعم الله عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعيم الآخرة، وينظرون مرة إلى تأخير العذاب عنهم في الدنيا فيقيسون عليه عذاب الآخرة، وأنه لا يصيبهم كما قال سبحانه: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)} [سبأ: ٣٥].