وقد نشأ هذا الغرور من ظن الإنسان أنه كريم عند الله ومحبوب له، وإلا لما أحسن إليه، فيقول قد أحسن الله إلينا في الدنيا، وكل محسن فهو محب، وكل محب فإنه يحسن في الحاضر والمستقبل.
واللبس حصل تحت ظنه أن كل محسن محب، بل تحت ظنه أن إنعامه عليه في الدنيا إحسان، فقد اغتر بالله إذ ظن أنه كريم عنده بدليل ما أعطاه من الأموال والشهوات، وما علم أن الذي يبغضه الله يهمله ليعيش كيفما يريد، والذي يحبه يشغله بطاعته وعبادته.
فيظن هذا العبد المهمل حين يتركه ربه يتمتع بشهواته ولذاته أنه عند سيده محبوب كريم، وذلك محض الغرور، وهكذا نعيم الدنيا ولذاتها مهلكات ومبعدات عن الله، ومنشأ هذا الغرور أنه استدل بنعم الدنيا على أنه كريم عند ذلك المنعم، والمغرور إذا أقبلت عليه الدنيا ظن أنها كرامة من الله، وإذا صرفت عنه ظن أنها هوان كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦)} [الفجر: ١٥، ١٦].
فأجاب الله عن ذلك بقوله:{كَلَّا}[الفجر: ١٧].
أي ليس كما قال، إنما هو ابتلاء من الله، فليس الإعطاء دليل كرامة من الله، ولا المنع دليل إهانة، ولكن الكريم من أكرمه الله بطاعته غنياً كان أو فقيراً، والمهان من أهانه الله بمعصيته غنياً كان أو فقيراً.
ومنشأ هذا الغرور الجهل بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.