ومن غرور العصاة من المؤمنين قولهم: إن الله كريم، وإنا لنرجو عفوه، واتكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال والتوبة، وظنهم أن الرجاء مقام محمود في الدين فلا يعملون، وأن نعمة الله واسعة، ورحمته شاملة، وكرمه عميم، وأين معاصي العباد في بحار رحمته، وربما كان مستند رجائهم التمسك بصلاح الآباء وعلو مرتبتهم.
فيتركون الطاعات ويخوضون في الفسق والفجور اعتماداً على ذلك، وذلك نهاية الاغترار بالله تعالى، فإن الإسلام إيمان وأعمال، ولا تزر وازرة وزر أخرى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)} ... [النجم: ٣٩ - ٤١].
فمن ظن أنه ينجو بتقوى أبيه كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه، ويصير عالماً بتعلم أبيه، وهذا يجمع مع الغرور الجهل والسفه، فالتقوى فرض عين على كل مسلم، فلا يجزى فيه والد عن ولده شيئاً.
والله كريم، وإنا لنرجو مغفرته ورحمته، هذا كله كلام صحيح مقبول، ولكن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بكلام مقبول الظاهر، مردود الباطن، ولولا حسن ظاهره لما انخدعت به القلوب، واغترت به النفوس.
وقد حول الشيطان الأماني وسماها رجاءً بلا عمل حتى خدع بها كثيراً من الجهال، وقد شرح الله الرجاء فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨].