للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه أربع درجات في نفس قصد الرياء.

وأما المراءى به: وهو الطاعات فينقسم إلى الرياء بأصول العبادات، وإلى الرياء بأوصافها.

فالرياء بالأصول على ثلاث درجات:

الأولى: الرياء بأصل الإيمان، وهذا أغلظ أبواب الرياء، وصاحبه مخلد في النار، وهو الذي يظهر كلمة الشهادة، وباطنه مشحون بالتكذيب، ولكنه يرائي بظاهر الإسلام.

وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام رياء ويبطنون الكفر، وهم مخلدون في أسفل النار كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥)} [النساء: ١٤٥].

وليس وراء هذا الرياء رياء، وحال هؤلاء أشد حالاً من الكفار المجاهرين فإنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر.

الثانية: الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين، وهذا عظيم عند الله لكنه دون الأول بكثير كأن يدخل وقت الصلاة وهو في جمع من الناس، وعادته ترك الصلاة في الخلوة فيصلي معهم، ولو كان وحده لم يصل، أو يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة ليفطر، أو يخرج الزكاة أمام الناس خوفاً من ذمه، والله يعلم منه أنه لا يحب إخراجها.

فهذا مراء معه أصل الإيمان بالله، يعتقد أنه لا معبود سواه، ولكنه يترك العبادات والفرائض للكسل، وينشط عند اطلاع الناس عليه، فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق، وهذا غاية الجهل، وما أجدر صاحبه بالمقت.

الثالثة: أن لا يرائي بالإيمان، ولا بأصل الفرائض، ولكنه يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي، ولكنه يكسل عنها في الخلوة، لفتور رغبته في ثوابها، ولإيثار الكسل على ما يرجى من الثواب، ثم يبعثه الرياء على فعلها، وذلك كالتهجد بالليل، وعيادة المريض، واتباع الجنازة، وصيام يوم عرفة وعاشوراء

<<  <  ج: ص:  >  >>