الثالثة: أن لا يقصد نيل حظ أو إدراك مال أو نكاح، ولكن يظهر عبادته ويحسنها خوفاً من أن يُنظر إليه بعين النقص، ولا يُعد من الخاصة والزهاد كالذي يرى جماعة يصلون التراويح أو يتهجدون أو يصومون الإثنين، أو يتصدقون فيوافقهم خيفة أن يُنسب إلى الكسل والبخل، ويُلحق بالعوام، ولو خلا بنفسه لا يفعل شيئاً من ذلك.
وكالذي يعطش يوم عرفة أو عاشوراء وهو غير صائم فلا يشرب خوفاً من أن يعلم الناس أنه غير صائم.
فهذا وما يجري مجراه من آفات الرياء، ولولا رسوخ عرق الرياء في الباطن لما ظهر في الخارج قولاً أو فعلاً.
فهذه درجات الرياء، ومراتب أصناف المرائين، وجميعهم تحت مقت الله وغضبه، وهو من أشد المهلكات، ومن شدته أن فيه شوائب هي أخفى من دبيب النمل، يزل فيها فحول العلماء فضلاً عن عامة الجهلاء بآفات النفوس وعللها.
والرياء محبط للأعمال، وسبب للمقت عند الله تعالى، ومن كبائر الذنوب، وإذا كان هذا وصفه فهو جدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته، ولا شفاء منه إلا بشرب الأدوية القامعة له، ومجاهدة شديدة، ومكابدة لقوة الشهوات، والعباد كلهم مضطرون لهذه المجاهدة.
وإنما يحصل علاج الرياء بأمرين:
أحدهما: قلع عروقه وأصوله التي منها انشعابه.
الثاني: دفع ما يخطر منه في الحال.
فأما قلع عروقه وأصوله: فأصل الرياء حب المنزلة والجاه، وهو يرجع إلى ثلاثة