فالعقوبة الثانية ترتبت على الأًوْلى، لكن العقوبة الأولى عقوبة موافقة لهواه وإرادته فلهذا لا يشعر بها، والثانية مخالفة لما يحبه ويلتذ به، ولذلك يتألم بها.
والله سبحانه إنما وضع العقوبة في محلها الأولى بها، الذي لا يليق بها غيره، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، ومن يستحق الكرامة، ومن يستحق الإهانة.
والإخلاص لله والمحبة له والإنابة إليه محض منَّته وفضله على عبده، وهو من أعظم الخير الذي هو في يده، فالخير كله في يديه، ولا يقدر أحد أن يأخذ من الخير إلا ما أعطاه الله، ولا يتقي من الشر إلا ما وقاه الله.
فإن قيل: فمن لم يخلق الله ذلك في قلبه، ولم يوفقه له، ولا سبيل له إليه بنفسه، ألا يكون منعه منه ظلماً؟.
قيل: لا يكون منه سبحانه ذلك ظلماً، وإنما يكون المانع ظالماً إذا منع غيره حقاً لذلك الغير عليه، وهذا هو الذي حرمه الرب على نفسه.
وأما إذا منع غيره ما ليس حقاً له، بل هو محض فضله ومنَّته عليه لم يكن ظالماً بمنعه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)} [النساء: ٤٠].
والشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، ويحرمه من ثوابه.
وكلما كان الفعل أنفع للعبد، وأحب إلى الله تعالى، كان اعتراض الشيطان له أكثر، فالشيطان بالرصيد للإنسان على طريق كل خير، ولا سيما عند قراءة القرآن، ومناجاة الله، والقيام بين يديه.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ -أوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا -لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاةَ، فَأمْكَنَنِي اللهُ مِنْهُ، فَأرَدْتُ أنْ أرْبِطَهُ إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ