للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصدره المصادر التي فيها عطبه، ويتخلى عنه ويسلمه، ويقف يشمت به، ويضحك منه كما فعل بالمشركين يوم بدر كما قال سبحانه: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤٨)} ... [الأنفال: ٤٨].

ومن كيده أنه يأمر الإنسان ويزين له السرقة والزنا، والقتل والكفر، ثم يتبرأ منه ويسلمه ويشمت به: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦)} [الحشر: ١٦].

ثم يتبرأ الشيطان من جميع أوليائه في النار، ويقول لهم: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢)} [إبراهيم: ٢٢].

فأوردهم كل الموارد، وتبرأ منهم كل البراءة، في وقت لا ينفع فيه الندم.

ومن مكايد الشيطان العظيمة أنه يسحر العقل حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله.

فيزين للعقل الفعل الذي يضره، حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء له، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيل له أنه يضره.

فسبحان الله كم فتن الشيطان بهذا السحر من إنسان؟.

وكم حال به بين القلب والإسلام والإحسان؟.

وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة حسنة؟، وكم شنَّع على الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟.

فهو الذي سحر العقول وألقى أربابها في الأهواء والبدع، وسلك بهم سبل الضلال، وزين لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ونكاح الأمهات، ووأد البنات، وهو الذي حسَّن الشرك والفسوق والعصيان لآدم وذريته.

فهو صاحب الأبوين حين أخرجهما من الجنة .. وصاحب قابيل حين قتل أخاه هابيل .. وصاحب قوم نوح حين أغرقوا .. وصاحب قوم عاد حين أهلكوا بالريح

<<  <  ج: ص:  >  >>