العقيم .. وصاحب قوم صالح حين أهلكوا بالصيحة .. وصاحب قوم لوط حين قلبت عليهم ديارهم ثم رجموا بالحجارة .. وصاحب فرعون وقومه حين أغرقوا .. وصاحب قريش حين هزموا وهلكوا يوم بدر.
وهو صاحب كل هالك ومفتون إلى يوم القيامة.
ومن كيد الشيطان العجيب أنه يشام النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها، قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الإحجام والمهانة.
فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في إضعاف همته وتثبيطه عن فعل المأمور به، وثقله عليه، ثم يهون عليه تركه حتى يتركه جملة أو يقصر فيه ويتهاون به.
وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به، ويوهمه أنه لا يكفيه، وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة:
فيقصر بالأول .. ويتجاوز بالثاني .. ليبعد العبد عن سلوك الصراط المستقيم، ويسلك به صراط الجحيم.
فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:
إما إلى تفريط وتقصير .. وإما إلى مجاوزة وغلو.
ولا يبالي الشيطان بأيهما ظفر، وقد هلك أكثر الناس في هذين الواديين:
وادي التقصير .. ووادي المجاوزة.
وقليل منهم من يثبت على الصراط المستقيم الذي عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وأتباعه.
فقصر بقوم في حق الأنبياء وورثتهم حتى قتلوهم .. وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم.
وقصر بقوم حتى منعهم من طلب العلم الذي ينفعهم .. وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به.
وقصر بقوم في خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات كالجمعة