للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمر سبحانه كذلك بالاستعاذة من شر الليل، وشر القمر، والقمر هو آية الليل وسلطانه، والليل إذا أقبل بظلمته من الشرق، ودخل في كل شيء وأظلم فهو غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، والليل غاسق إذا أقبل بظلمته: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣)} [الفلق: ١ - ٣].

والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل وشر القمر إذا وقب، أن الليل إذا أقبل فهو محل سلطان الأرواح الشريرة الخبيثة، وفيه تنتشر الشياطين، وحركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، وضررهم للصبيان أكثر، لفقدهم الذكر الذي يحرزهم من الشياطين ولأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة مع الصبيان غالباً، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أوْ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ» متفق عليه (١).

وفي لفظ: «لا تُرسِلُوا فَواشيكُمْ وَصبيانَكُمْ إذَا غَابَتِ الشَّمْسُ» أخرجه مسلم (٢).

والليل هو محل الظلام، وفيه تنتشر وتتسلط شياطين الإنس والجن ما لا تتسلط بالنهار، فإن النهار نور، والشياطين إنما سلطانهم في الظلمات، والمواضع المظلمة على أهل الظلمة، ولهذا كان سلطان السحر وعظم تأثيره إنما هو بالليل دون النهار.

ولهذا كانت القلوب المظلمة هي محال الشياطين وبيوتهم ومأواهم، والشياطين تجول فيها، وتتحكم كما يتحكم ساكن البيت فيه، وكلما كان القلب أظلم كان للشيطان أطوع، وهو فيه أثبت وأمكن.

ومن هنا حسن الاستعاذة من رب الفلق في هذا الموضع، ولهذا استعاذ من شر الغاسق الذي هو الظلمة ومحل الشرور والظلام، بعد الاستعاذة برب الفلق الذي هو الصبح والنور، الذي يطرد جيش الظلام، وعسكر المفسدين في


(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٣٢٨٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٢٠١٣).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٠١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>