فالدنيا عدوة لله .. وعدوة لأولياء الله .. وعدوة لأعداء الله.
أما عداوتها لله فإنها قطعت الطريق على عباد الله، ولذلك لم ينظر الله إليها منذ خلقها، ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء.
وأما عداوتها لأولياء الله سبحانه فإنها تزينت لهم بزينتها، وغرتهم بزهرتها ونضارتها، وملكت قلوبهم بجمالها وشهواتها، حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها.
وأما عداوتها لأعداء الله فإنها استدرجتهم بمكرها وكيدها، وصادتهم بشبكتها حتى وثقوا بها، فاجتنوا منها حسرة تقطع الأكباد، ثم حرمتهم السعادة أبد الآباد، فهم على فراقها يتحسرون، ومن مكايدها يستغيثون: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)} [البقرة: ٨٦].
ومن هوان الدنيا على الله أنه لا يُعصى إلا فيها، ولا يُنال ما عنده إلا بتركها.
وكما يأكل المريض الطعام فلا يلتذ به من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يتلذذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها ما دام حب الدنيا في قلبه.
والدنيا المذمومة المأمور باجتنابها هي القاطعة للعبد عن سلوك الصراط المستقيم الموصل إلى الله، وإلى رضاه، وإلى الجنة.
وما في هذه الحياة الدنيا ثلاثة أقسام:
الأول: ما يصحب العبد في الآخرة، وتبقى معه ثمرته بعد الموت، وهو شيئان: العلم .. والعمل.
فالعلم: هو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعلم بشريعته.