للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدنيا وما فيها ليست داراً للعباد، وإنما أسكنهم الله فيها واستخلفهم فيها إلى أجل مسمى لينظر كيف يعملون، وابتلاهم بما فيها من الشهوات ليعلم من يقدم أوامر ربه على شهوات نفسه .. ومن يطيع الرحمن ممن يطيع الشيطان .. ومن يشتغل بجمع الحسنات ممن يشتغل بالاستكثار من الأموال .. ومن يعمر أخراه ممن يعمر دنياه .. ومن يتبع الهدى ممن يتبع الهوى كما قال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧)} [الكهف: ٧].

وقال سبحانه: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)} [القصص: ٥٠].

والجمع بين تحصيل الأسباب التي تحصل بها لذات الدنيا، والأسباب التي تحصل بها لذات الآخرة ممتنع غير ممكن.

والله عزَّ وجلَّ مكّن الإنسان من تحصيل أيهما شاء أو أراد، فمن اشتغل بتحصيل أحدهما فلا بد أن يفوت الآخر، والعاقل يقدم العمل للآخرة على العمل للدنيا، ويؤثر الباقية على الفانية.

والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة، والفانية على الباقية، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ويعلم من يستحق الكرامة ممن يستحق الإهانة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)} [الإسراء: ١٨ - ٢٠].

فالحياة الدنيا جبلت على الكد والنكد، والبلاء والكبد، وقد أقسم الله عز وجل الذي خلق كل شيء، وعلم كل شيء، بالبلد الأمين، ورسوله الذي حل فيه، وبكل ما خلق، أن هذه الحياة الدنيا لا تصفو لأحد، وأنها في الغالب شقاء وتعب ومجاهدة، كما قال سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤)} [البلد: ١ - ٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>