فالقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديان الوظيفة الأولى للصدقة من تهذيب النفوس وتأليف القلوب: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣)} [البقرة: ٢٦٣].
والله حليم يعطي عباده الرزق فلا يشكرون، فلا يعاجلهم بالعقوبة وهو معطيهم كل شيء، فعلى الناس أن لا يعجلوا بالغضب والأذى على من يعطونهم من مال الله، حين لا يروقهم منهم أمر، ولا ينالهم منهم شكر.
والصدقة حركة إحسان محسوسة، وهي ثمرة لما في القلب من الإيمان والكفر، والإخلاص والرياء.
والمنفقون قسمان:
الأول: من أنفق ماله رياء، فهذا لا يثمر خيراً، ولا يعقب مثوبة، وحظ صاحبه منه التعب في كسبه، والحسرة على فوته، والعذاب على فعله وإنفاقه.
الثاني: من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله، فهذا يثمر خيراً، ويعقب مثوبة، وحظ صاحبه منه الأجر في كسبه، ومضاعفة أجره وماله، وتطهير نفسه وماله، والفوز بالجنة.
والله جل جلاله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن يكون الجود بأفضل الموجود، فلا يكون بالدون والرديء الذي تعافه النفوس.
والله غني عن الخبيث الذي يخرجه ضعيف الإيمان واليقين.
حميد يحمد الطيب الذي يخرجه الإنسان، ويجزي به عليه جزاء الراضي الشاكر، وهو الذي أعطاه إياه.
بل الله غني عن عطاء الناس إطلاقاً، فإذا بذلوا مالاً فإنما يبذلونه لأنفسهم، فليبذلونه طيباً طيبة به نفوسهم كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧)} [البقرة: ٢٦٧].
والأموال فيها خير من وجه، وفيها شر من وجه، وهي كالحية يأخذها الراقي