للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمن يحيل الصدقة أذى للواهب وللآخذ على حد سواء، أذى للواهب بما يثير في نفسه من كبر وخيلاء، ورغبة في رؤية أخيه ذليلاً له، كسيراً لديه، ربما يملأ قلبه بالنفاق والرياء والبعد من الله، وأذى للآخذ بما يثير في نفسه من انكسار وانهزام، ومن رد فعل بالحقد والانتقام، ومن هنا يبطل الثواب والأجر بالمن والأذى كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٢٦٤)} [البقرة: ٢٦٤].

وما أراد الإسلام بالإنفاق مجرد سد خلة الفقير، وملء بطن الجائع، وتلافي حاجة المعوز فقط؛ بل أراد فوق ذلك تهذيب نفس المعطي وتزكيتها، وتطهيرها من الشح والحرص والبخل، واستجاشة مشاعر الإنسان تجاه أخيه الفقير المحتاج، وتذكيراً له بنعمة الله عليه.

وعهده معه في هذه النعمة أن يأكل منها في غير سرف ولا مخيلة، وأن ينفق منها في سبيل الله في غير منع ولا منّ.

والمال مال الله، والرزق الذي في خزائن الأغنياء هو رزق الله، وهذه حقيقة لا يجادل فيها إلا جاهل بأسباب الرزق القريبة والبعيدة.

فالذي خلق الإنسان خلقه وساق رزقه إليه، فإذا أعطى الواجد شيئاً، فإنما يعطي من مال الله، وإذا أسلف حسنة فإنما هي قرض لله يضاعفه له أضعافاً كثيرة، وليس الفقير الآخذ إلا أداة وسبباً لينال المعطي الواهب أضعاف ما أعطى من مال الله.

والصدقة ليست تفضلاً من المانح على الآخذ، إنما هي قرض لله، والله غني عن الصدقة المؤذية، والصدقة التي يتبعها أذى لا ضرورة لها، وأحسن منها كلمة طيبة تضمد الجراح، ومغفرة تغسل أحقاد النفوس، وتحل محلها الإخاء والمحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>