خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتمرغون بشهواتها، ولا يبالون بأي وجه حصولها، ولا فيما أنفقوها، فهؤلاء كانت لهم زاداً إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.
والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحاناً لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة إلى الدار الآخرة، يستعينون بها على مرضاة الله وطاعته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها متاع.
والإنسان إذا تبع هواه، وارتكب المعاصي دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا كان كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام، والقلب كالكوز، فإذا انكب انصب ما فيه ولم يدخله شيء بعد ذلك.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأيُّ قَلْبٍ أنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أسْوَدُ مُرْبَادّاً، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» أخرجه مسلم (١).