للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُهْتَدِينَ (١٦)} [البقرة: ١٦].

فالمنافقون رغبوا في الضلالة رغبة المشتري بالسلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة، فالهدى غاية الصلاح، والضلالة غاية الشر، وهؤلاء المنافقون بذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة، فهذه تجارتهم، فبئس التجارة، وبئس الصفقة صفقتهم.

فما أسفه وما أضل من بذل الهدى في مقابلة الضلالة .. واختار الشقاء على السعادة .. ورغب في سافل الأمور عن أعاليها.

فهل مثل هذا رابح في تجارته؟.

كلا .. بل هو خاسر فيها أعظم خسارة، حيث لا أمل في الربح هناك: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥)} [الزمر: ١٥].

فهؤلاء المنافقون عاشوا بين المؤمنين وهم غير مؤمنين، لكنهم انتفعوا بنور الإيمان، وحقنت بذلك دماؤهم، وسلمت أموالهم، وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت، فسلبهم الانتفاع بذلك النور، وحصل لهم كل هم وغم وعذاب.

وحصل لهم ظلمة القبر .. وظلمة الكفر .. وظلمة النفاق .. وظُلَم المعاصي على اختلاف أنواعها .. وبعد ذلك ظلمة النار.

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)} [البقرة: ١٧ - ١٨].

فهم صم عن سماع الحق والخير .. وبكم عن النطق به .. وعمي عن رؤية الحق .. فهم لا يرجعون؛ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه.

والمنافقون إذا سمعوا القرآن، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فيروِّعهم وعيده، وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم، ويكرهونها

<<  <  ج: ص:  >  >>