والمنافقون يعتمدون على إتقانهم مهارة النفاق، وعلى خفاء أمرهم في الغالب، وعلى ستر عداوتهم وحسدهم في الغالب، ولكن الله لهم بالمرصاد يكشف أستارهم، ويفضح كيدهم ومكرهم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠)} [محمد: ٢٩ - ٣٠].
والله سبحانه يعلم حقائق النفوس ومعادنها، ويطلع على خفاياها، ويعلم ما يكون من أمرها علمه بما هو كائن فعلاً.
والابتلاء بالسراء والضراء .. وبالنعماء والبأساء .. وبالسعة والضيق .. وبالفرج والكرب .. كل ذلك يكشف ما هو مخبوء من معادن النفوس .. وما هو مجهول من أمرها حتى لأصحابها: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)} [محمد: ٣١].
هكذا تتم حكمة الله في الابتلاء.
ومع هذا فإن المؤمن يرجو أن لا يتعرض لبلاء الله وامتحانه، ويتطلع إلى عافيته ورحمته، فإن أصابه بلاء بعد هذا صبر له، وهو مدرك لما وراءه من حكمة، مستسلم لمشيئة ربه، متطلع إلى رحمته وعافيته بعد الابتلاء.
والقرآن يصور القرابة بين المنافقين والذين كفروا من أهل الكتاب بقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١١)} [الحشر: ١١].
والله الخبير بقلوب العباد يقرر غير ما يقررون، ويؤكد غير ما يؤكدون: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١٢)} [الحشر: ١١ - ١٢].
والمنافقون لجهلهم بالله، وقلة فقههم، يرهبون المؤمنين أشد مما يرهبون الله، ولو خافوا الله ما خافوا أحداً من خلقه: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ