والمنافقون أجبن الناس وأخوفهم، ولرهبتهم من المؤمنين قال الله تعالى عنهم: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)} [الحشر: ١٤].
فهم متفرقون .. متنازعون .. مختلفون .. بأسهم بينهم شديد .. بخلاف المؤمنين الذين تتضامن أجيالهم .. وتجمعهم آصرة الإيمان من وراء تواصل الزمان والمكان والجنس والعشيرة والوطن.
والمظاهر قد تخدع، فنرى تضامن أهل الكتاب فيما بينهم، كما نرى تجمع المنافقين أحياناً في معسكر واحد، ولكن هذا كله مظهر خارجي خادع: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (١٤)} [الحشر: ١٤].
وبين الحين والحين ينكشف هذا الستار الخادع، وينكشف الحال عن نزاع داخل المعسكر الواحد.
وما صَدَق المؤمنون مرة وتجمعت قلوبهم على الله حقاً إلا وانكشف العدو أمامهم عن هذه الاختلافات، وما صبر المؤمنون وثبتوا إلا وشهدوا مظهر التماسك بين أهل الباطل ينفسخ وينهار، وينكشف عن الخلاف الحاد، والشقاق والكيد والدس في القلوب المتنافرة.
وما ينال المنافقون والذين كفروا من أهل الكتاب من المسلمين إلا عندما تتفرق قلوب المسلمين، فلا يعودون يمثلون حقيقة المؤمنين.
والله سبحانه يعرض أحوال هؤلاء المنافقين ليهوِّن من شأنهم أمام المؤمنين، ويرفع من نفوس المؤمنين هيبة هؤلاء الأعداء ورهبتهم.
ومتى أخذ المؤمنون بكتاب ربهم مأخذ الجد هان عليهم أمر عدوهم وعدو الله، وتجمعت قلوبهم في الصف الواحد، صف الإيمان الذي لا تقف له قوة في الأرض.