وهؤلاء الكفار ليس لهم قيمة ولا قوة ولا قدرة، وهم أقل من أن يُنزل الله عليهم قوة من السماء لتقضي عليهم، فهم لا يساوون شيئاً.
وهو سبحانه إن تركهم في غيهم في الدنيا فليس معنى ذلك أنه غير قادر عليهم، وليس مرجعه أنهم معجزون في الأرض، أو يساوون شيئاً أمام قدرة الله، بل مرجعه إلى أن الله خلق الإنسان وأعطاه حرية الاختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن، ومشيئة الله سبحانه أن يترك الكافر يجادل ويكابر، وينذره ويرسل إليه الرسل ومواكب الإيمان، لا لأنه لا يقدر عليه، ولكن لأن الله جعله مختاراً، وله يوم يأتي فيه أجله، أو ينتهي عمره، فهو لا يساوي عند الله شيئاً، والله قادر أن يسلبه الحياة في أي لحظة كما قال سبحانه عن صاحب يس: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (٢٩) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٠)} [يس: ٢٨ - ٣٠].
فالله خلق العباد، وقدر الآجال والأرزاق، وابتلاهم بالأعمال، فمنهم المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، ولولا هذه الآجال، وهذا الابتلاء لعاجلهم الله بالعقوبة كما قال سبحانه: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)} ... [الشورى: ١٤].
ألا ما أعظم الكفر وأقبحه، ولذلك توعد الله أهله بأشد العقوبات كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢)} [البقرة: ١٦١ - ١٦٢].