للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحربه، فأنا به كفيل، فسأملي لهم، وأجعل هذه النعمة فخهم: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)} [القلم: ٤٤ - ٤٥].

والله يمهل ولا يهمل، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وشأن المكذبين وأهل الأرض أجمعين أهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذا التدبير، ولكنه سبحانه يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان، وليعلموا أن الأمان الظاهر الذي يدعه لهم هو الفخ الذي يقعون فيه وهم فارون، وإن إمهالهم على الظلم والبغي والإعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوإ مصير، وأنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة، ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب، مستحقين للخزي والرهق والتعذيب: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)} [التوبة: ٥٥].

إن حجج الإسلام ومبادئه بينة عادلة، دافعة تدفع جميع طوائف الكفر، ولذلك فهم لا يملكون إلا الإيذاء والقتل؛ لأن الإنسان حين يفقد حجته يلجأ إلى العنف، وطالما هو يملك الحجة فيستطيع أن يجادل ويخاصم.

ولا يلجأ إلى العنف أبداً ما دام قوياً بحجته وبرهانه، ولا يلجأ إلى العنف إلا ضعيف الحجة، ولذلك قال أصحاب القرية لرسلهم: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨)} [يس: ١٨].

إن مواكب الكفر ورجاله لا تملك أي حجة أمام دين الله، وأمام حملة رسالته، ولكنهم خشية على شهواتهم، وحرصاً على أموالهم، وخوفاً على الجاه والسلطان الذي اغتصبوه ظلماً وعدواناً، وحتى لا يتساووا مع الناس في الحقوق والواجبات، هم يلجؤون دائماً إلى الإيذاء والعنف والقتل في مواجهة مواكب الإيمان، ويحاربونهم بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة، ما دام أنهم قد فقدوا المنطق والبرهان، وضاعت حجتهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>