وأما شأن الفريق الآخر من أهل الكتاب وهم النصارى فلا يقل إصراراً على العداوة والحرب عن شأن اليهود، فحين أحست الكنيسة بخطورة الإسلام على ما صنعت هي بأيديها وسَمَّته المسيحية، وهو مُركّب من الوثنيات والأضاليل الممزوجة ببقايا مخرفة من كلمات المسيح، إلا وقامت في مواجهة هذا الدين الجديد.
فتجمعوا لحرب الإسلام في مؤتة .. ثم تجمعوا لضرب الإسلام مرة أخرى .. فكانت من أجل ذلك غزوة تبوك .. ثم كان جيش أسامة بن زيد - رضي الله عنه - إلى أطراف الشام لمواجهة تجمعاتهم التي تستهدف القضاء على الإسلام.
ثم اشتعل مِرْجل الحقد الصليبي منذ انتصار المسلمين في موقعة اليرموك الظافرة .. والتي أعقبها انتشار الإسلام في الشام والعراق، ومصر وأفريقيا .. ثم دخول الإسلام في الأندلس .. ثم تجلت عداوتهم ووحشيتهم في الأندلس عندما زحفت الصليبية الحاقدة على المسلمين في أسبانيا، وارتكبت من الوحشية في تعذيب المسلمين بما لم يعرف من قبل ولا يتصوره ذو عقل .. ثم كشرت عن أنيابها وبلغت ضراوتها ووحشيتها حينما هجم الصليبيون على الشرق الإسلامي، وأبادوا المسلمين في بيت المقدس في وحشية لا تعرف الرحمة، ولا تزال هذه الحرب الصليبية المسعورة تستخدم كافة الأسلحة، وكافة الطاقات لضرب الإسلام والمسلمين في كل مكان، تسفك الدماء، وتقتل الأبرياء، وتطارد الأتقياء: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢١٧)} [البقرة: ٢١٧].
فالكفار والمشركون .. واليهود والنصارى. كل هؤلاء مجمعون على حرب الإسلام والمسلمين: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩)} ... [البروج: ٨ - ٩].