ويعرفون جيداً أن هذا الدين لا يمكن أن يستعلي إلا على أنقاض الجاهلية التي هم عليها، ولا يمكن أن يكون الدين كله لله حتى تجلو الجاهلية عن هذه الأرض.
وهم يعلمون كل ذلك، ويدرسون هذا الدين دراسة دقيقة عميقة، وينقِّبون عن أسرار قوته، وعن مداخله إلى النفوس، ويبحثون بجد كيف يستطيعون أن يفسدوا القوة الموجهة في هذا الدين؟.
وكيف يلقون بالريب والشبه والشكوك في قلوب أهله؟ وكيف يحرفون الكلم عن مواضعه؟ وكيف يصدون أهله عن العلم الحقيقي به؟ وكيف يحولونه من حركة دافعة تحطم الباطل والجاهلية، وتسترد سلطان الله في الأرض، وتطارد أعداءه، وتجعل الدين كله لله، إلى حركة ثقافية باردة .. وإلى بحوث نظرية ميتة .. وإلى جدل فقهي أو طائفي فارغ .. وإلى مسابقات وألغاز؟.
وكيف يفرغون مفهوماته وقواعده وأصوله في أنظمة وتصورات غريبة عنه، مدمرة له، مع إيهام أهله أن عقيدتهم محترمة مصونة؟
إنهم يدرسون هذا الدين دراسة عميقة فاحصة، لا لأنهم يبحثون عن الحقيقة، ولا لينصفوا هذا الدين .. كلاّ.
إنهم يقومون بهذه الدراسة العميقة لأنهم يبحثون عن مقتل لهذا الدين، ويبحثون عن منافذه ومساربه إلى الفطرة ليسدوها، ويبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها، مستخدمين المنافقين والمغفلين في ذبحه.
ولو تمكنوا من الإجهاز عليه بالحديد والنار لفعلوا .. ولكنهم عجزوا فحاربوه بإثارة الشبهات حوله، والتشكيك به؛ لينفروا المسلمين منه، ويصدوا الناس عنه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)} [الصف: ٨].
وأهل الكتاب يعرفون كل صغيرة وكبيرة في هذا الدين، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وهم يعلمون أن الهجوم الصريح على هذا الدين يثير حماسة