فالأصل في الحياة الإسلامية التي جاء بها الشرع أن يلتقي فيها طريق الدنيا وطريق الآخرة، وأن يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى صلاح الدنيا كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧].
وأن يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل ثواب الآخرة، كما أنه المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا.
وأن يكون الإيمان والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض، كما أنها هي وسائل الحصول على رضوان الله وثوابه الأخروي، ويكون ذلك إذا تم تحقيق منهج الله في الأرض.
فهذا المنهج وحده هو الذي يجعل العمل حسب أمر الله عبادة، وهو الذي يجعل الخلافة في الأرض وفق شريعة الله فريضة.
والخلافة عمل وإنتاج، يتم بها تنفيذ أوامر الله في إصلاح الدنيا والآخرة، ويعتبر قيام الإنسان بهذه الوظيفة وفق منهج وشريعته طاعة ينال العبد عليها ثواب الآخرة، ويظفر بخيرات الأرض التي سخرها له ربه.
فالإنسان الذي لا يفجر ينابيع الأرض، ولا يستغل طاقات الأرض والكون المسخر له يعتبر عاصياً لله، ناكلاً عن القيام بالوظيفة التي خلقه الله لها، تاركاً للأسباب التي جعلها الله سبباً لصلاح دنياه.
كما أن التارك لفرائض وأركان الإسلام يكون عاصياً لربه، ناكلاً عن امتثال أوامره التي جعلها الله سبباً لصلاح آخرته.
فالذي يترك أسباب الكسب والمعيشة يكون معطلاً لرزق الله الموهوب للعباد، جافياً عنه، راضياً بما يلقمه الناس من فضلاتهم، ويقف ذليلاً بأبوابهم، وقد ترك الباب الذي فتحه الله ليكسب الدنيا والآخرة، وينشغل في معاشه عن أوامر الله وطاعته، وهكذا يخسر الآخرة؛ لأنه خسر الدنيا، وقد أمرنا الله بالقيام بأسباب