وهذا الدين وسط يجمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة في توافق وتناسق، فلا يفوِّت على الإنسان دنياه لينال آخرته، ولا يفوِّت عليه آخرته لينال دنياه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (١٣٤)} [النساء: ١٣٤].
والدين الإسلامي يحتم على الفرد أن يبذل أقصى طاقته الجسمية العقلية في العمل والإنتاج، وأن يبتغي في العمل والإنتاج وجه الله، فلا يظلم ولا يغدر ولا يغش ولا يخون، ولا يأكل من سحت، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، ولا يسرق ولا يختلس ولا يحتكر، مع الاعتراف لله بالملكية، وأداء حق الفقراء في ماله في حدود ما فرض الله عزَّ وجلَّ.
والإسلام يسجل للفرد عمله في هذه الحدود وفق شرع الله، عبادة يجزيه عليها بالبركة في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.
ويربط المنهج الإسلامي بين العبد وربه رباطاً أقوى بالشعائر التعبدية التي يفرضها الله عليه، يستوثق بهذا الرباط من تجدد صلته بالله في اليوم الواحد خمس مرات بالصلاة، وفي كل حين بكثرة الذكر، وفي العام الواحد ثلاثين يوماً بصوم رمضان، وفي العمر كله بحج بيت الله الحرام، وفي كل موسم أو في كل عام بإخراج الزكاة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨)} [الرعد: ٢٨].
ومن هنا نعلم قيمة الفرائض التعبدية في الإسلام، إنها تجديد للعهد مع الله على الارتباط والالتزام بمنهجه الكلي للحياة، وهي قربى إلى الله يتجدد منها العزم على النهوض بتكاليف هذا المنهج الذي ينظم أمر الحياة كلها: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ