للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبحر، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم (١).

فشرط الله قائم .. والطريق إليه معروف .. والوفاء بالشرط سهل لو كانوا يعقلون.

والحياة في الإسلام ليست هذه الفترة القصيرة التي تمثل عمر الإنسان، ولا هي هذه الفترة المحدودة التي تمثل عمر الأمة من الناس، كما أنها ليست هي هذه الفترة المشهودة التي تمثل عمر البشرية في هذه الحياة الدنيا.

بل الحياة واسعة تمتد طولاً في الزمان، فتشمل فترة الحياة الدنيا، وفترة الحياة الأخرى التي لا يعلم مداها وعظمتها ونعيمها إلا الله، وفترة الدنيا بالنسبة إليها كساعة من نهار.

وتمتد الحياة في المكان فتضيف إلى هذه الأرض التي يعيش عليها البشر داراً أخرى: جنة عرضها كعرض السماء والأرض، وناراً تسع الكثرة من جميع الأجيال التي عمرت وجه الأرض كما قال سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١)} [الحديد: ٢١].

وتمتد في العوالم فتشمل هذا الوجود المشهود إلى وجود مغيب لا يعلم حقيقته كلها إلا الله، ولا نعلم نحن عنه إلا ما أخبرنا الله به.

وتمتد الحياة في حقيقتها فتشمل هذا المستوى المعهود في الحياة الدنيا وإلى تلك المستويات الجديدة العالية الفائقة في الحياة الأخرى في الجنة وبعكس


(١) أخرجه مسلم برقم (٢٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>