للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك في النار.

وهي ألوان من الحياة ذات مذاقات ليست من مذاقات هذه الحياة الدنيا، ولا تساوي الدنيا بالقياس إليها جناح بعوضة.

إن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمال الدنيا وتركها بلا جهد لتحسينها وإصلاحها، وتركها للطغاة والمفسدين تطلعاً إلى نعيم الآخرة، وإنما الدنيا مزرعة للآخرة، والجهاد في الحياة الدنيا لإصلاح هذه الحياة، ورفع الشر والفساد عنها، ورد الاعتداء والظلم عن أهلها، وتحقيق الخير والعدل للناس جميعاً، كل أولئك هو زاد الآخرة.

والمسلم إنما يزاول هذه الحياة الدنيا وهو يعلم أنه أكبر منها وأعلى، ويستمتع بطيباتها أو يزهد فيها وهو يعلم أنها حلال في الدنيا، خالصة له يوم القيامة كما قال سبحانه: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)} ... [الأعراف: ٣٢].

ويجاهد المسلم لترقية هذه الحياة، وتسخير طاقاتها وقواها، وهو يعرف أن هذا واجب الخلافة حين استخلفه الله فيها.

ويكافح الشر والفساد والظلم محتملاً الأذى، وهو إنما يقدم لنفسه في الآخرة، إنه يعلم من دينه أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأن ليس هناك طريق للآخرة لا يمر بالدنيا، وأن الدنيا صغيرة زهيدة مؤقتة، ولكنها من نعمة الله التي يجتاز منها إلى نعمة الله الكبرى في الآخرة.

والله تبارك وتعالى كما اجتبى الرسل، وأرسلهم لهداية البشرية، كذلك هو سبحانه اجتبى هذه الأمة، وأعطاها مهمة الإشراف على الحياة البشرية وقيادتها إلى القمة السامقة بالدين الكامل، الذي يزين حياتها ويجملها في الدنيا والآخرة، ووعدهم على ذلك الجنة.

وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بإقامة الدين، ونهانا أن نكون عبيداً للدنيا، وقد فهم

<<  <  ج: ص:  >  >>