للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فركبوها ولم تركبهم، وعَبَّدوها لله ولم تستعبدهم، وقاموا بالخلافة عن الله فيها بكل ما تقتضيه الخلافة عن الله من تعمير وإصلاح، ولكنهم كانوا يبتغون في هذه الخلافة وجه الله، ويرجون الدار الآخرة، فسبقوا أهل الدنيا في الدنيا، ثم سبقوهم كذلك في الآخرة، والدنيا وما فيها من النعيم بالنسبة للآخرة لهو ولعب كما قال سبحانه: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٣٢)} [الأنعام: ٣٢].

والإنتاج المادي النافع وفق منهج الله من مقومات خلافة الإنسان في الأرض بعهد الله وشرطه.

والاستمتاع بالطيبات منها حلال يدعو إليه الإسلام، ولكنه لا يعتبرها هي القيمة العليا التي تهدر في سبيلها خصائص الإنسان وأخلاقه، كما تعتبرها المجتمعات الجاهلية الملحدة أو المشركة.

فما أبعد ما بين الدارين؟.

دار يمكن أن تُطمس وتُحصد في لحظة كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)} ... [يونس: ٢٤].

ودار النعيم والسلام التي نعيمها لا يزول والناس فيها مخلدون كما قال سبحانه: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)} [العنكبوت: ٦٤].

إن للجهد في هذه الأرض ثمرته سواء تطلع صاحبه إلى أفق أعلى، أو توجه به إلى منافعه القريبة وذاته المحدودة.

فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فعمل لها وحدها فإنه يلقى نتيجة عمله في هذه الدنيا، ويتمتع بها كما يريد في أجل محدود، ولكن ليس له في الآخرة إلا النار؛ لأنه لم يقدم للآخرة شيئاً، ولم يحسب لها حساباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>