للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل عمل الدنيا يلقاه في الدنيا، ولكنه باطل في الآخرة، وحابط لا يقام له وزن كما قال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)} [هود: ١٥ - ١٦].

ونحن نشهد في هذه الأرض أفراداً وأمماً تعمل لهذه الدنيا وتنال جزاءها فيها، ولدنياها زينة وانتفاخ، وهذه سنة الله في هذه الأرض، وهؤلاء يمكن أن يعملوا نفس ما عملوه، ونفوسهم تتطلع إلى الآخرة، وتراقب الله في الكسب والمتاع، فينالوا زينة الحياة الدنيا لا يبخسون منها شيئاً، وينالوا كذلك متاع الحياة الأخرى.

إن العمل للآخرة لا يقف في سبيل العمل للدنيا، بل إنه هو هو مع الاتجاه إلى الله فيه، ومراقبة الله في العمل لا تقلل من مقداره، ولا تنقص من آثاره، بل تزيد وتبارك الجهد والثمر، وتجعل الكسب طيباً، والمتاع به طيباً، ثم تضيف إلى متاع الدنيا متاع الآخرة.

إن من أراد أن يعيش لهذه الدنيا وحدها فلا يتطلع إلى أعلى من الأرض التي يعيش فيها، فإن الله يعجل له خطة من الدنيا حين يشاء، ثم تنتظره في الآخرة جهنم عن استحقاق، مذموماً بما ارتكب، مدحوراً بما انتهى إليه من عذاب:

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)} [الإسراء: ١٨].

فأهل الدنيا لا يتطلعون إلى أبعد من هذه الأرض، يتلطخون بوحلها ورجسها ودنسها، ويستمتعون فيها كالأنعام، ويستسلمون فيها للشهوات والنزعات، ويرتكبون في سبيل تحصيل اللذة الأرضية ما يؤدي بهم إلى جهنم.

أما الذي يريد الآخرة فلا بدّ أن يسعى لها سعيها، فيؤدي تكاليفها، ويقيم سعيه لها على الإيمان، ثم يلقى التكريم في الآخرة، جزاء السعي الكريم في الدنيا: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>