للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشْكُورًا (١٩)} [الإسراء: ١٩].

إن الحياة للأرض، الحياة للدنيا، حياة تليق بالديدان والحشرات، والزواحف والهوام، والوحوش والأنعام، فأما الحياة الآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله.

على أن هؤلاء وهؤلاء إنما ينالون من عطاء الله، وعطاء الله لا يحظره أحد ولا يمنعه: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)} [الإسراء: ٢٠].

والتفاوت بين الناس في الدنيا ملحوظ بحسب أسبابهم وأعمالهم واتجاهاتهم، فكيف يكون التفاوت بين الناس في الآخرة التي الدنيا بالنسبة لها كقطرة من بحر: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)} ... [الإسراء: ٢١].

فمن شاء التفاوت الحق، ومن شاء التفاضل الضخم، ومن شاء الدرجات العالية، فهو هناك في الآخرة، حيث الرقعة الفسيحة، والآماد الأبدية، والنعيم الفائق، والقصور الفاخرة: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦)} [المطففين: ٢٦].

والدنيا لها وظيفة .. والآخرة لها وظيفة.

فالدنيا دار الإيمان والعمل .. والآخرة دار الثواب والعقاب.

والدنيا صغيرة ناقصة .. والآخرة كبيرة كاملة .. فيها كمال النعيم وكمال العذاب، والدنيا فانية زائلة .. والآخرة دائمة باقية، والدنيا مكان اجتماع الخلق كلهم المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، أما في الآخرة فيتفرقون، المؤمنون في الجنة، والكفار والعصاة في النار: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦)} [الروم: ١٤ - ١٦].

ولهؤلاء نعيم وخلود بلا موت .. ولهؤلاء عذاب وخلود بلا موت.

والدنيا مكان الطاعات، ومهبط الرسالات، وزمان الأعمال الصالحة، وفيها

<<  <  ج: ص:  >  >>