والدنيا في الحقيقة لا تذم لذاتها، وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها، وهي قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار.
ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة، والإعراض عن الله والدار الآخرة، فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها، وهو الغالب على اسمها، صار لها اسم الذم عند الإطلاق.
وإلا فالدنيا مبنى الآخرة ومزرعتها .. ومنها زاد الجنة .. وفيها اكتسبت النفوس الإيمان ومعرفة الله .. ومحبة الله وذكره وابتغاء مرضاته.
وخير عيش يناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بما زرعوه فيها .. وفيها مساجد أنبياء الله .. ومهبط وحيه .. وبيوت عبادته .. ومصلى ملائكته .. ومتجر أوليائه .. وفيها اكتسبوا رحمة الله .. وربحوا فيها العافية .. وفيها قرة العيون، وسرور القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح بذكر الله ومعرفته، وعبادته ومحبته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والأنس به، ولذة مناجاته، والإقبال عليه .. وفيها كلام الله ووحيه وهداه.
فالإيمان بالله، والطاعة لله ورسوله، وعبادة الله وحده لا شريك له، أفضل ما في هذه الدار، ودخول الجنة، والنظر إلى وجه الله جل جلاله، وسماع كلامه، والفوز برضاه، أفضل ما في الآخرة.
ففي الدنيا أفضل الأسباب، وفي الآخرة أفضل الغايات.
فهذا أفضل ما في هذه الدار .. وهذا أفضل ما في الدار الآخرة.
وقد بين الله عزَّ وجلَّ أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا، وأن الباقيات الصالحات وهي الأقوال والأعمال الصالحة التي يبقى ثوابها .. ويدوم جزاؤها .. خير ما يؤمله العبد ويرجو ثوابه كما قال سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ