وثواب الآخرة معاً، ثم يكتفي بطلب الدنيا، ويضع فيها همه، ويعيش كالحيوانات والدواب والشياطين.
بينما هو يملك أن يعيش كالإنسان، قدم يدب على الأرض، وروح ترفّ في السماء، وكيان يتحرك وفق أمر الله في هذه الأرض: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (١٣٤)} [النساء: ١٣٤].
وقد نهى الله عزَّ وجلَّ نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يمد عينيه إلى ما متع به أهل الدنيا فيها؛ فتنة لهم واختباراً، وأخبره أن رزقه الذي أُعد له في الآخرة خير وأبقى من هذا الذي مُتعوا به فقال سبحانه: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١)} ... [طه: ١٣١].
وأخبر سبحانه أنه آتى رسوله - صلى الله عليه وسلم - السبع المثاني والقرآن العظيم، وذلك خير وأفضل مما متع به أهل الدنيا في دنياهم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)} [الحجر: ٨٧ - ٨٨].
وبناء الدنيا بالأموال والأشياء .. وبناء الآخرة بالإيمان والأعمال الصالحة .. ونعمت الدنيا التي تعين على طاعة الله .. ويعف بها الإنسان نفسه عن غيره .. ويواسي بها إخوانه المحتاجين.
وحب الدنيا رأس الخطايا ومفسد للدين من وجوه:
أحدها: أن الله لعنها وأبغضها ومقتها إلا ما كان له فيها، ومن أحب ما لعنه الله ومقته وأبغضه فقد تعرض لغضبه ومقته ولعنته.
والثاني: أن حب الدنيا يقتضي تعظيمها وهي حقيرة عند الله، ومن أكبر الذنوب تعظيم ما حقّر الله.
الثالث: أن العبد إذا أحب الدنيا صيرها غايته، وتوسل إليها بالأعمال والطاقات التي جعلها الله وسائل إليه وإلى الدار الآخرة.
فهذا عَكَس الأمر، وقَلَب الحكمة، وتردى في السفول، وهذا الذي قال الله عنه: