فحياة مَنن قد طُبع على الحياء والعفة، والجود والسخاء، والمروءة والوفاء ونحوها، أتم من حياة من يقهر نفسه ويغالب طبعه حتى يكون كذلك.
وكلما كانت هذه الأخلاق في صاحبها أكمل كانت حياته أقوى وأتم.
والحياء مشتق من الحياة، وأكمل الناس حياة أكملهم حياء، فإن الروح إذا ماتت لم تحس بما يؤلمها من القبائح فلا تستحي منها.
وكذلك سائر الأخلاق الفاضلة تابعة لقوة الحياة، وضدها من نقصان الحياة.
لذلك كانت حياة الشجاع أكمل من حياة الجبان، وحياة السخي أكمل من حياة البخيل، وحياة الذكي الفطن أكمل من حياة البليد.
ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أكمل الناس حياة، حتى إن قوة حياتهم تمنع الأرض أن تبلي أجسامهم؛ لكمال أخلاقهم وتقواهم.
الثامنة: حياة الفرح والسرور وقرة العين بالله:
وحول هذه الحياة يدندن الناس كلهم، وأكثرهم قد أخطأ طريقها، وسلك طرقاً لا تفضي إليها، بل تقطعه عنها إلا أقل القليل.
وحرمها أكثرهم، وسبب حرمانهم إياها ضعف العقل والبصيرة.
وهذه المرتبة أعلى مراتب الحياة، ولكن كيف يصل إليها من عقله سُببي في بلاد الشهوات، وأَمَله موقوف على اجتناء اللذات، وسيرته جارية على أسوإ العادات، ودينه مستهلك بالمعاصي والمخالفات، وهمة المحب وطاعته تتكرر وتتزايد حتى تستقر، وينصبغ بها قلبه، وإذا تعلقت روحه بحبيبه عمل بما يحب، فهو يتقرب إلى ربه حفظاً لمحبته له، واستدعاء لمحبة ربه له.
فيتقرب إلى ربه بأنواع التقرب إليه:
فقلبه للمحبة، والإنابة، والتوكل، والخوف، والرجاء، والتعظيم.
ولسانه للذكر والحمد وتلاوة كلام حبيبه، وجوارحه للطاعات، فهو لا يفتر عن التقرب من حبيبه.
فَيَشرع المحب أولاً في التقرب بالأعمال الصالحة الظاهرة .. ثم يترقى من ذلك