وسبب تخلف النفس عن طلب هذه الحياة الباقية، وتعلقها بالحياة الفانية أمور:
الأول: ضعف الإيمان بالله، وضعف اليقين على وعد الله ووعيده، فالإيمان هو روح الأعمال، وهو الباعث عليها، والآمر بأحسنها، والناهي عن أقبحها.
وعلى قدر قوة الإيمان يكون أمره ونهيه لصاحبه، وتكون طاعة صاحبه ومعصيته كما قال سبحانه: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)} [البقرة: ٩٣].
الثاني: جثوم الغفلة على القلب:
فإن الغفلة نوم القلب، ولهذا نجد بعض الناس أيقاظاً في الحس، نياماً في الواقع، فتحسبهم أيقاظاً وهم رقود، ضد حال من يكون يقظان القلب وهو نائم.
فالقلب إذا قويت فيه الحياة لا ينام إذا نام البدن.
وكمال هذه الحياة كان لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، الذي تنام عيناه وقلبه يقظان، ولمن أحيا الله قلبه بمحبته واتباع رسالته.
فالغفلة واليقظة يكونان في الحس والعقل والقلب، فمستيقظ القلب وغافله كمستيقظ البدن ونائمه.
والمقصود أن الغفلة هي نوم القلب عن طلب هذه الحياة التي لا خطر لها، وهي حجاب عليه، فإن كشف هذا الحجاب بالذكر، والا تكاثف حتى يصير حجاب معاص وذنوب صغار تبعده عن الله.
فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى يصير حجاب كبائر توجب مقت الرب تعالى له وغضبه ولعنته.
فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى يصير حجاب بدع عملية يعذب فيها نفسه، ثم بدع قولية اعتقادية تتضمن الكذب على الله ورسوله.
فإن بادر إلى كشفه وإلا تكاثف حتى صار حجاب شك وتكذيب يقدح في أصول الإيمان، ثم يتمكن منه الشيطان وبعده ويمنيه، وتستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، ويظفر سلطان الطبع والشهوات بسلطان الإيمان والأعمال.