فلما تم أسره وسجنه، وتولى الشيطان تدبير المملكة، استخدم جند الشهوات وارسلها فيها يسخط الله، واتخذ حجاباً من الهوى.
فحينئذ أغلق باب اليقظة، وفتح باب الغفلة.
فإذا اجتمعت هذه العساكر على القلب من ضعف الإيمان، وقلة الأعوان، والإعراض عن ذكر الرحمن، مع طول الأمل المفسد للإنسان كيف تكون حاله؟
فلا بدَّ للعبد من المجاهدة والتضحية بما يملك لتحصيل الإيمان وتقويته، وتحسين الأعمال وتنويعها، فإذا اجتمع للعبد قوة الإيمان، وحسن الأعمال، فتلك الحياة العالية التي دعا إليها الرسل، وهي الموصلة برحمة الله إلى الحياة العليا في الجنة.
والحياة العالية لها علامات .. والحياة السافلة لها علامات.
والحياة العالية ثلاثة أنواع:
الحياة الأولى: حياة العلم من موت الجهل:
ولهذه الحياة ثلاثة أنفاس:
نَفَس الخوف .. ونَفَس الرجاء .. ونَفَس المحبة.
فنفس الخوف مصدره مطالعة الوعيد، ومطالعة ما أعد الله لمن آثر الدنيا على الآخرة، وآثر المخلوق على الخالق، وآثر الهوى على الهدى، وآثر الغي على الرشاد.
ونَفَس الرجاء مصدره مطالعة وعد الله، وحسن الظن بالرب تعالى، ومطالعة ما أعد الله لمن آثر الله ورسوله والدار الآخرة، وحكَّم الهدى على الهوى، والوحي على الآراء، والسنة على البدعة والعادة.