للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ شَغَلَ الإنسان نفسه بهذه الأشياء عن المنعم الذي وهبه إياها فالله يسلطها عليه، ويجعلها سبباً في شقائه وهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة.

فالله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان لمقصد عظيم وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وجعل ما في السموات وما في الأرض في خدمته؛ ليتمكن من أداء وظيفته، وجعل الدنيا له كالدابة؛ إن ركبها حملته إلى الآخرة، وإن حملها قتلته وعذبته.

وقد خلق الله كل شيء لحكمة ومقصد، فالطعام للأكل، والماء للشرب والهواء للتنفس، والحديد لمنافع الإنسان، وكذلك خلق الله الإنسان لحكمة ومقصد وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

ومن اجتهد على شيء ظهرت نتيجته، فمن اجتهد على الحديد أخرج منه السيارات وسائر الأواني والمنافع.

وكذلك الإنسان إذا اجتهدنا عليه بالدعوة ظهر فيه بإذن الله الإيمان والأعمال الصالحة، والصفات العالية، وظهر فيه من المنافع له ولغيره ما لا يحصيه إلا الله في العبادة والدعوة والتعليم، وحسن المعاملات والأخلاق {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)} [البقرة: ١٣٨].

والحياة النافعة إنما تحصل للعبد بالاستجابة لله وللرسول كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤].

فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات.

وأكمل الناس حياة أكملهم استجابة لله ورسوله، فكل ما جاء عن الله ورسوله هو الحياة، ومن فاته جزء منه فاته جزء من الحياة، وفيه من الحياة بحسب استجابته، والحياة الطيبة في الجنة مبنية على كمال الحياة الطيبة في الدنيا.

والإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة:

الأولى: حياة بدنه التي يدرك بها النافع والضار، ويؤثر ما ينفعه على ما يضره،

<<  <  ج: ص:  >  >>