ومتى نقصت فيه هذه الحياة ناله من الألم والضعف بحسب ذلك.
الثانية: حياة روحه وقلبه التي يميز بها بين الحق والباطل، والغي والرشاد، والهدى والضلال.
فيختار الحق على ضده، والهدى على الضلال.
وتفيد هذه الحياة قوة التمييز بين النافع والضار، وقوة الإيمان، وقوة الحب للحق، وقوة الكراهة للباطل.
وكما أن الإنسان لا حياة له حتى ينفخ فيه الملك من روحه، فيصير حياً بذلك النفخ، فكذلك لا حياة لروحه وقلبه حتى ينفخ فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الروح الذي ألقي إليه وهو الوحي كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)} ... [الشورى: ٥٢].
فالحياة والاستنارة موقوفة على نفخ الرسول الملكي، والرسول البشري، فمن أصابه نفخ الرسول الملكي، ونفخ الرسول البشري، حصلت له الحياتان، وجمع الله له بين الحياة والنور.
ومن حصل له نفخ المَلَك دون نفخ الرسول، حصلت له إحدى الحياتين وفاتته الأخرى كما قال سبحانه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢)} ... [الأنعام: ١٢٢].
وقد جعل الله عزَّ وجلَّ لكل إنسان حياتين:
حياة تبدأ من بطن أمه وتنتهي بالموت .. وحياة تبدأ بعد الموت عند البعث إلى حياة لا نهاية لها، المؤمن في الجنة، والكافر في النار.
وأعلى أنواع الحياة حياة الأنبياء والمرسلين، والتي هي خالصة لامتثال أوامر الله وطاعته وعبادته، والدعوة إليه، وكمال التوكل عليه، ثم يليهم أتباعهم وورثتهم ممن سار على هديهم واقتفى أثرهم.