وحتى لا يكون التعبد فقط لإحسان الله إلى عبده سواء في الدنيا أو الآخرة، بل يكون لذات المعبود سبحانه.
والله سبحانه يطلع على قلوب العباد، فأي قلب رأى فيه غيره سلط عليه إبليس كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)} [مريم: ٨٣].
وكل من عرف الله تعالى طابت له الحياة، وصفا له العيش، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف كل مخلوق، وأنس بالله، وقرَّت عينه بالله، وقرَّت به كل عين، وقرت عينه بالموت.
ومن عرف الله لم يبق له رغبة فيما سواه، وأحبه على قدر معرفته به وخافه ورجاه ولهج بذكره، واشتاق إليه، واستحيا منه، وأجلَّه وعظمه على قدر معرفته به.
ومن أحب الدنيا حتى صارت أكبر همه فليوطن نفسه على تحمل المصائب.
ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث:
هم لازم .. وتعب دائم .. وحسرة لا تنقطع ..
ذلك أن محب الدنيا لا ينال منها شيئاً إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه، فلو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثاً.
ومحب الدنيا كشارب الخمر، كلما ازداد شرباً ازداد سكراً.
وأسعد الناس في الدنيا والآخرة هم أهل الإيمان والتقوى، والإحسان والإخلاص، الذين لا يفعلون شيئاً إلا ابتغاء وجه ربهم الأعلى، لا يريدون سواه كما قال سبحانه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (٢١)} [الليل: ١٧ - ٢١].
وهؤلاء هم الأنبياء ومن سار على هديهم.
وصاحب التقوى لا ينبغي له أن يتحمل من الخلق ونعمهم ومننهم، وإن حمل منهم شيئاً بادر إلى جزائهم عليه؛ لئلا يبقى لأحد من الخلق عليه نعمة تُجزى، ليكون عمله كله لله وحده، لا يفعل ما يفعله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى وحده لا