والقلوب مفطورة على حب الصور الجميلة، لكن المسلم مأمور ومتعبد بغض بصره؛ لئلا تنتقش الصور في قلبه فيعكف عليها محبة تصرف قلبه عما خُلق له من النظر في الآخرة إلى خالق الجمال سبحانه.
فكل محبة لما سوى الله صرف لما هو حقه لغيره، وهي ألم في القلب يُعذَّب به؛ لانصرافه عن فطرته التي فُطر عليها من محبة إلهه الحق.
فأعلى نعيم الجنة رؤية الرب عزَّ وجلَّ ومحبته وحلول رضوانه، ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ» أخرجه مسلم (١).
فهذا نعيم لا يشغل أهل الجنة عنه ولا يلهيهم ما بين أيديهم من النعيم المخلوق؛ لأن لذته أعظم مما هم فيه من النعيم.
وربهم من فوقهم يسلم عليهم، فينظر إليهم وينظرون إليه، وهو مستوٍ على عرشه الذي هو سقف الفردوس، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم.
فالنفوس الزكية العلية تعبد الله لأنه أهل أن يُعبد ويُجل، ويُّحَب ويُعظَّم، ويُّحمد ويوقر، فهو لذاته مستحق للعبادة.
ولا ينبغي للعبد أن يكون كأجير السوء إن أعطي أجرةً عَمِل، وإن لم يعط لم يعمل، فهذا عبد الأجرة لا عبد المحبة والإرادة.
فالعارفون عملهم على المنزلة والدرجة، والعمال عملهم على الثواب والأجرة، وشتان ما بينهما.
وليس المراد عيب سؤال الله الجنة، فالعبد محتاج لذلك، وإنما العيب أن يكون مبلغ العلم ومنتهي الإرادة والطلب هو الجنة المخلوقة، والغفلة والغَيْبَة عن حقيقة التعبد والتأله للملك الحق.