مبهوتاً من شدة الصعقة، شاخص العين نحو النداء، وقد ثار الخلق ثورة واحدة من القبور التي طال فيها بلاؤهم، وقد أزعجهم الفزع والرعب، فضلاً عما هم فيه من الهموم والغموم، وشدة الانتظار لعاقبة الأمر.
وبهذه النفخة يصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يلبث الخلق بعد النفخة الأولى أربعين سنة، أو شهراً، أو يوماً.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أبَا هُرَيْرَةَ! أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أبَيْتُ، قَالُوا: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أبَيْتُ؟ قَالُوا: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أبَيْتُ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ».
ثم انظر كيف يساقون بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلاً إلى أرض المحشر، أرض بيضاء، وقاع صفصف، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، لا ترى فيها ربوة يختفي الإنسان وراءها، ولا وهدة ينخفض عن الأعين فيها، بل هي صعيد واحد لا تفاوت فيه، يساقون إليه زمراً، فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إلى أرض المحشر، لا يتخلف منهم أحد: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٤٧)} ... [الكهف: ٤٧].
فأحضر قلبك، وانظر إلى صورتك وأنت واقف هناك عارياً ذليلاً، متحيراً بهوتاً، وجلاً خائفاً، منتظراً لما سوف يجري عليك وعلى غيرك من القضاء بالسعادة، أو الشقاوة الأبدية.
يستقبلك يوم عظيم شأنه .. ترى فيه السماء قد انفطرت .. والكواكب من هوله انتثرت .. والنجوم قد انكدرت .. والشمس قد كورت .. والجبال قد سيرت .. والبحار قد سجرت .. والجحيم قد سعرت .. والجنة قد أزلفت .. يوم تبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات .. يوم تحمل فيه الأرض والجبال فتدك دكة واحدة .. يوم ترجّ فيه الأرض رجّاً .. وتبسّ الجبال بسّاً .. يوم يكون فيه الناس