للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما مشهد المعذبين الهالكين فقد ذكره الله بقوله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (٣٤) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)} [الحاقة: ٢٥ - ٣٧].

فهذا مشهد الخاسر الذي عرف أنه مؤاخذ بسيئاته، وأن العذاب مصيره، فيقف في هذا المعرض الحاشد الحافل وقفة المتحسر الكسير الكئيب.

ثم يصدر الأمر من العلي الأعلى، فيتحرك الوجود كله على هذا المسكين الصغير الهزيل، ويبتدره المكلفون بالأمر من كل جانب، كلهم يبتدر هذه النطفة الصغيرة المكروبة المذهولة.

إنه قد خلا قلب هذا الإنسان من الإيمان بالله، والرحمة بالعباد، فلم يعد هذا القلب يصلح إلا لهذه النار، وذلك العذاب، فهو مَسْخٌ من الكائنات لا يساوي الحيوان، بل لا يساوي الجماد.

فكل شيء مؤمن يسبح بحمد ربه موصول بمصدر وجوده، أما هو فمقطوع من الله، مقطوع من الوجود المؤمن بالله.

ثم يعلن الله عن تكملة جزاء ذلك الشقي عن جرمه: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (٣٥) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)} [الحاقة: ٣٥ - ٣٧].

وكل نفس عليها من أمر الله رقيب كما قال سبحانه: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)} [الطارق: ٤].

وما من نفس إلا عليها حافظ يراقبها، ويحصي عليها، ويحفظ عنها، وهو موكل بها بأمر الله، فالنفس مستودع الأسرار والأفكار، وهي التي يناط بها العمل والجزاء.

إن الناس ليسوا متروكين يفعلون كيف شاؤوا بلا رقيب، إنما هو الإحصاء

<<  <  ج: ص:  >  >>